مشروعية التأمين
التعاوني
المقدمة: -
روى البخاري في كتاب
الإيمان من صحيحه، عن
النعمان بن بشير رضي
الله عنه، قال: سمعت
رسول الله صلّى الله
عليه وسلّم يقول: ”إن
الحلال بيِّن وال حرام
بيّن، وبينهما أمور
مشتبهات، لا يعلمها
كثير من الناس، فمن
اتقى الشبهات فقد
استبرأ لدينه وعرضه،
ومن وقع في الشبهات
وقع في الحرام، كراع
يرعى حول الحمى يوشك
أن يقع فيه، ألا وإن
لكل ملك حمى ألا وإن
حمى الله في أرضه
محارمه“.
استجدت معاملات
معاصرة حظيت باهتمام
واسع من علمائنا، ومن
ذلك التأمين بأنواعه
المختلفة الذي يعد
أحد سمات العصر،
والذي فرض نفسه على
المجتمعات الإسلامية،
وعلى الفقه الإسلامي،
ويعد التأمين
التعاوني من هذه
المستجدات التي اختلط
فيها الأمر هل هي من
الحلال البيّن أو
الحرام البيّن أو أنه
من الأمور المشتبهة
التي لا يعلمها كثير
من الناس، وأصدق وصف
في بيان حال الناس من
هذه المستجدات ما
ذكره المؤتمر الأول
لمجمع البحوث
الإسلامية الذي اجتمع
في شوال سنة 1964م،
وقد تحدث في بيانه عن
موقف المسلمين من
المعاملات المعاصرة
فقال: بأنهم وقفوا
يجيلون النظر فيما
حولهم من صور الحياة
وألوان السلوك،
وأنواع المعاملة،
وألوان من المعاملة
لا عهد لهم ببعضها
فيما يعرفون، فمنهم
من أنكر ذلك كله،
ورآه بدعة يضل بها
المسلم عن سبيل الله،
ومنهم من ولغ فيه
ولوغ الظمآن في ماء
آسن، لا يبالي أن
يكون ما يشربه طيباً
أو خبيثاً، ومنهم من
توقف ليسأل نفسه أو
يسأل غيره الرأي في
حلال ذلك وحرامه،
ومنهم من تجرأ على
الفتوى لنفسه أو
لغيره، بأهلية
للإفتاء أو بغير
أهلية، انبهم الأمر
على الكثرة الغالبة
من المسلمين فقعدوا
حيارى لا يدرون ما
يأخذون من ذلك وما
يدعون.. [السالوس حكم
فوائد البنوك – مجلة
المجمع الفقهي –
السنة الرابعة، ص56].
لذلك هدفت هذه
الدراسة إلى بيان
موقع التأمين
التعاوني على خريطة
الحلال والحرام،
وتنقيته من كل
الشوائب والشبهات،
وإبراز الفقه
الإسلامي ووضوحه
واستيعابه لكل
المستجدات حيث إن
التأمين من المسائل
الدقيقة وشديدة
التعقيد.
ولعل الدراسة تصل إلى
رأي قريب من مضمون
الشريعة الإسلامية في
شرعية التأمين
التعاوني، فما كان من
خطأ فمني ومن الشيطان،
وما كان من حق وصواب
فمن الله. والله أسأل
التوفيق والسداد.
واقتضت الدراسة
تقسيمه إلى ثلاث
مباحث:
المبحث الأول:
التعريف بالتأمين
التعاوني ونشأته
وتطوره.
المبحث الثاني: خصائص
التأمين التعاوني
وتميزه.
المبحث الثالث: موقف
الإسلام من التأمين
التعاوني.
المبحث الأول
التعريف بالتأمين
التعاوني ونشأته
وتطوره
تمهيد:
من طبيعة الحياة
تفاوت الناس في
المواهب والملكات
والجهود والطاقات،
وإذا ترك هذا التفاوت
دون امتداد الأيدي
المصلحة للتخفيف من
حدتها، أصبح ذلك من
عوامل الهدم في
المجتمع.
لذا كان لابد من
تقريب التفاوت عن
طريق التراحم
والتعاون بين أفراد
المجتمع.
والباحث في علم
الأحياء يجد أن
التعاون غريزة في
أنواع مختلفة منها،
فأسراب النمل تتعاون
في دأب وصبر على
أعمالها المتعددة
والمتكررة.
وجماعات النحل تتعاون
في دقة تنسيق على
القيام بواجباتها
وتنظيم بيوتها وتعمير
خلاياها.
والإنسان هو سيد
الأحياء وأذكاها
وأرقاها، لذا كان
لزاماً أن يكون
تعاونه أوثق وأعمق.
وأسلوب التعاون هو
دعامة من عقيدتنا حيث
يقول تعالى: {
وَتَعَاوَنُواْ عَلَى
الْبرِّ وَالتَّقْوَى
وَلاَ تَعَاوَنُواْ
عَلَى الإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ } [المائدة:
2].
المطلب الأول: مفهوم
التأمين التعاوني:
التأمين لغة:
مشتق من مادة أمن،
والتي تدل على
طمأنينة النفس وزوال
الخوف، والأصل أن
يستعمل في سكون القلب
[المصباح المنير
للفيومي ج1 ص42].
ويقال أمن أمناً
وأماناً وأمانة وأمنة:
اطمأنَّ ولم يخف فهو
آمن وأمين، ويقال لك
الأمان: أي قد أمنتك.
وأمن البلد: اطمأن
فيه أهله، وأمن الشر:
منه سلم، وأمن فلاناً
على كذا: وثق فيه
واطمأن إليه أو جعله
أميناً عليه [المعجم
الوسيط ج1 ص27].
أما التعاون فيقصد به
المساعدة المتبادلة،
ولأهمية ذلك جاءت
النصوص القرآنية،
ونصوص السنة النبوية
تحث عليه من ذلك قوله
تعالى: {
وَتَعَاوَنُواْ عَلَى
الْبرِّ وَالتَّقْوَى
وَلاَ تَعَاوَنُواْ
عَلَى الإِثْمِ
وَالْعُدْوَانِ }.
وقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ
بِحَبْلِ اللَّهِ
جَمِيعًا وَلاَ
تَفَرَّقُواْ} [آل
عمران: من الآية
103].
وفي السنة النبوية
قوله صلّى الله عليه
وسلّم: ”المؤمن
للمؤمن كالبنيان
المرصوص يشد بعضه
بعضاً“ [متفق عليه].
لانزال البحث
كاملا بصيغة أكروبات
اضغط هنا
^
أعلى |